علّ الفجْر أن يأتي

1:32 ص Fatimah 0 Comments






أمسكتْ مِقبض الباب بقوّه ..
 تشبّثت به خشية أن يفلت منها ويهرُب، عَرَقٌ بارد يَسري في أطرافها، أنفاسُها ثقيلة تُصارع رئتيها حتى تخرج
 دفعت الباب ..
أتاها صوت صريره المُزعج، تجمّدت في مكانها تتأمّل الغرفة تخشى الدخول اليها
أغمضَت عينيْها، حادثت نفسها مُشجّعه لها " هيّا، تستطيعين فعل ذلك، لن يتمكّن من إيذائك "
كانت تُحاول أن تقوّي نفسها بتلك الكلمات، تحرّكت قدماها الى داخل الغُرفة 
كان الظلام يُحيط بالمكان الاّ من ضوء خافت يأتي من الخارج، لم تُشعل الأضواء فلا حاجة لها بهم، فهي تحفظ المكان عن ظهر قلب
 كيف لا ..
 وهو المكان الذي كانت تقضي فيه ساعات طوال، لأيّام وأسابيع وأشهر لا تعرف كم طالت فقد فقدت القُدرة على حسابها. 
خفقَ قلبها بقوّه، شعرت بألمٍ شديد في وسط صدرها، حاولت أن تتحكّم في أنفاسها وتتذكّر ما أخبرتها به الأخصائية التي قد ملّت زيارتها
 " تنفّسي بعُمق، تأكّدي أن تكون كلّ خليّة من خلايا جسدك قد حصلت على حاجتها من الأُكسجين، ركّزي على أنفاسك وستهدأ وتنتظم" 
 سارت الى المكان الذي وضعته فيه، المكان الذي كانت قد قرّرت الاّ تقترب منه أبداً
 الا أن "الأبدا" لم تدُم سِوى أيّام قليلة، كان عليها أن تُواجه مخاوفها مهما كبرت، هذا ما أخبرتها به، تلك التي ملّت زيارتها
" واجهي مخاوفك وستصغر وتختفي"
لكن ..
 ماذا لو لم تختفي ماذا لو ازدادت سوءاً
حاولت تجاهل تلك الأصوات، لن تتراجع الآن بعد أن قطعت كلّ تلك المسافة لتصل، بعد أنْ بذلت كلّ هذا المجهود النفسي الذي يكاد أن يُحيل قلبها رماداً
توجّهت اليه ..
أمسكته بأصابع مُرتجفة، تأمّلته بحذر
 مرّرت أصابِعها فوقه تتحسّس نعومة طلاءِه، تمعَّنت في تفاصيله وكأنّها تراه لأوّل مرّة 
تأمّلت التاريخ الذي حُفر فيه ..
 تاريخ أول لقاء بينهما والذي يُصادف يوم ميلادها 
تذكّرت عبارته لها " في أوّل عيد ميلاد لك ونحن معاً أُهديك هذا القلم، كلّما نضبت أفكارك أمسكي به ووجّهيه للورقة وسيقوم هو بالمُهمّة " 
ضحكت ..
 لم تُصدّقه فكيف لقلم لـ "جماد" أن يتحرّك من تلقاءِ نفسه، أن يكتب ويُعبّر كما يفعل البشر، كيف له أن يحيى فجأة ويمتلك القُدرة على التعبير 
لكنّه لم يكُن يمزح ..
 بدأ القلم بالفعل يكتُب عنها أشياء لا تذكُر أنها كتبتها
في بداية الامر كان الموضوع مُثير ويستحقّ التجرُبة
كانت الكلمات بسيطة تُعبّر عنها دون أن تتجاوز خطوطها الحمراء 
نمَت بينهما صداقه ومحبّة، كانت تحتضِنه كلّما أنهت الكتابة
 كان يفهمُها ..
 لم تكن بحاجة الى ساعات من التفكير ومُحاولات فاشلة لصياغة الكلمات 
 الا أن القلم بدأ يتمرّد ..
 لم يعد يطلب إذنها قبل أن يكتُب، لم يعد يُبالي بقبولها أو رفضها لما يكتبه عنها
 إن كان سيؤذيها أو يُفرحها
بات يستغلُّها، باتت بالنسبة اليه وسيله ليجد طريقه نحو انتزاع الأحرف من جوفها..
 لم تعُد تأمنه، باتت تخشاه، باتت تخافه، تخاف ما يُمكن أن يقوله 
حجزته في هذا المكان، وقررت الابتعاد عنه، قررت هجرانه
 تشاغلت عنه كثيراً ..
الا أن الاحساس المُزعج الذي يُلازمها للعودة اليه لم يُفارقها، يطرقها ليل نهار، لم تعُد تهنأ في حياتها. 
تخاف أن تقولها، تخاف أن تُفصح عنها فتُصبح حقيقة ،،
 لكن .. 
هي تشتاقه ،،  تتوق اليه ،،
رُغم الألم الذي سبّبه لها، رغم خيانته لثقتها، الا أن شوقها له يزداد مع كلّ يوم يفصلها عنه، من دونه باتت حياتها خاوية ،،
اتجهت الى أقلامٍ أخرى، مُحاولة أن تجد نفسها الضائعة من بينهم
 لكن ..
 لم يكن منهم من يُشبهه في شيئ، برفقتهم لم تكن هي كما تعرفها، كتاباتها مُصطَنعة لا تعكس ما يختلجها من مشاعر تعيشها
 أصيبت حياتها بالخَواء، آلت مُحاولتها للكتابة من غيره بالفشل، صفْحة بيضاء تُطالعها لساعات دون أن تُضيف شيئاً، تعجز عن مِلئها ولو بأحرفٍ قليلة
والآن ها هي تُمسك به، قد ربح المعركة وعادت اليه كسيره 
لفت انتباهُها شيئ لم تره من قبل، هل تُراهُ يبتسم أم أنها تتخيّل ذلك؟ 
هل هو فرحٌ بعودتها أم ينتظرها ليُعاود جرحَ مشاعرها؟
هل مازال يذكرها أم يحسبها امرأة أخرى؟ 
ركّزت في نظراته، وكأنه يستجديها لتُعاود الكتابة من خلاله
 هل عليها أن تكتُب؟
 هل تعود عمَّا قررته بشأنه، أن تتركه دون عَوده؟
هل تُعطيه فُرصة أخرى؟ 
هل تُسامحه؟ 
سالت دموعها الدافئة على وجنتيها ..
همسَت من بين دموعها: أنا آسفة، قد أكون أسأت فهمك 
لكن .. 
 ليس اليوم، لا أستطيع العودة وكأنَّ شيئاً لم يحدُث، لا أستطيع النسيان 
برفق وضَعته على سطح مكتبها وأعادته الى مكانه 
سارت بعيداً عنه وأغلقت الباب خلفها
غادرته بانتظار يومٍ جديد، علّ أن يأتي فجره مُحمّلاً ببعضٍ من النسيان والصّفح

 .. F.Z ..

0 التعليقات: