عقدٌ من الزمان مضى

7:17 م Fatimah 1 Comments





على مَقعد القطار المُنطلق، وضعت حقيبتها الصغيرة بجانبها، حقيبة لا تضمّ سِوا القليل مما خرجت فيه من هذه الحياة، القليل من الحاجيّات والقليل منها 

هذه المرّة قد أطالت المكوث، قد أخلّت بالعقد المُبرم 

كانت قد عاهدت نفسها الا تُطيل المكوث في مكانٍ واحد فترة طويلة، لا تُريد أن تحمل أي ذكريات أو مشاعر أو حنين تجاه المكان، والا فإن هناك عواقب وخيمة عليها أن تحمُّلها

قد قررت أن تجعل من حياتها محطّات قصيرة، ما إن تنتهي من محطّة حتى تذهب الى أخرى، كلّ محطة لا تتجاوز السنتين، وأحياناً تكون أقصر

تتجنّب فيها الحديث مع الآخرين، تتجنب التعارف، لا تقبل بأي أحاديث عميقه، لا للتفاصيل الخاصة ، لا شيئ سوا تحيّة عابرة 

لا تريد أن تُبقي أشخاص معلّقين في مكانها المؤقت، فكلّ الأماكن بالنسبة اليها مؤقتة، مُتشابهه لا الوان فيها  ولا مشاعر 

الا أنها ارتكبت الخطأ المُحّرم ..

 خطأ فادح لا يُغتفر، لقد سمحت لنفسها أن تُطيل الجلوس معه، أن تتبادل الحديث، أن تدخُل في التفاصيل

لم تلتزم بالشرط الذي قطعته على نفسها فكانت العقوبة 

عقدٌ من الزمان مضى بأيّامه، بأسابيعه، بسنواته 

كيف سمحت له بفعل ذلك، أن يخطف منها عُمراً، أن يُبقيها تحيك ذكرياتها في المكان، أن تخلّ بشرطها مع الحياة

سمحت لنفسها أن تضحك معه، أن تُطيل الحديث معه، أن تُطلق العنان لمشاعرها، صامّه أذنيها عن كل إشارات الخطر التي تُحدّق بها، تجاهلتها، لم تلتفت اليها 

كانت لذيذة ..

 نعم .. تلك المشاعر كانت لذيذة وكانت هي بحاجه اليها

 كانت تُريد أن تتذوّق منها أكبر قدرٍ مُمكن

ضعُفت أمامها، فطالبتها بفترة سماح 

" فقط القليل، أعدك أني لن أطيل، فقط امنحيني المزيد من الوقت القليل من المُتاح "

" لكن هذا مُخالف لشروط العقد، عقدك مع الحياة، مع الذكريات، ها أنت ذا قد أكملتي السنتين، يجب أن نُغادر الان، يجب أن نستقل القطار ونتنقل الى محطّة أخرى"

" أعدك أني سأستقلّه، فقط المزيد من القليل"

" تنهدت باستسلام، ستكون عواقبه وخيمة، وأنتي تعلمين ما يعنيه ذلك" 

واستمرت بالأخذ من القليل المُتاح، لم تتوقف، طالت السنتين الى ثلاث، أربع، خمس 

" يا الهي ماذا تفعلين!!  لقد جُننتي "

" فقط القليل "

" لقد مضى خمس سنوات، عن أي قليل تتحدثين ؟! "

واستمرت بتجاهل الصوت، حتى مرّ عقدٌ من الزمان 

١٠ سنوات مضت ..

 حفرت فيها كل معاني الذكريات، اقتطعت من روحها أجزاء أبقت في كل مكانٍ جُزء، تجزّأت روحها عند كل ذكرى وما بقي منها الا القليل 

أصبحت أكثر ضَعفاً، أكثر شحوباً، بالكاد تتنفس، فهي الآن تعيش بما تبقّى لها من روح

 لن تستطيع أن تقوم بكامل المهام، روحها لم تعد كما كانت، فقد تخطّت كافّة الشروط المسموح بها 

لماذا لم تستمِع، لماذا استمرّت في التجاهل ،، لماذا هُزمت أمام تلك المشاعر 

أتى مسؤول التذاكر للتأكد من وثائق السفر لدى الرُكّاب، استعدّت لإخراج وثائقها، الا أنه مرّ بجانبها و اجتازها دون أن يلتفت اليها، اجتازها دون أن يلمحْها

أصبحت بالكاد تُرى ..

تلاشى جزء كبير من جسدها 

عقدٌ من الزمان مضى، قد نهشها وأحال جسدها رمادا.. 

هناك تعليق واحد:

  1. نصٌ جميل يلامس داخل القاريء بعمق

    ردحذف